العالم يقوم بأكبر حملة لتوزيع اللقاحات في محاولة للسيطرة على انتشار فيروس كوفيد-19 لكن عدم المساواة على مستوى العالم التي كشفتها الجائحة تهدد بأن تأخذ بعداً جديداً خطيراً. وذكرت منظمة الصحة العالمية أن 39 مليون شخص حصلوا على اللقاح في الأيام القليلة الماضية في أغنى 49 دولة في العالم. وفي أفقر الدول في أفريقيا لم يحصل على اللقاح إلا 25 شخصاً، جميعهم في غينيا. وحذر «تيدروس أدحانوم غيبريسوس» من «فشل أخلاقي كارثي»، إذا لم تشارك الدول الغنية على نطاق واسع اللقاحات التي تنتجها أو تشتريها. لكن الحكومات عليها واجب أخلاقي بأن تحمي مواطنيها، وهو ما يجب موازنته مع الالتزامات الدولية التي ربما تشعر بها.
ويرى «ماكسويل سميث»، وهو متخصص في علم الأخلاقيات البيولوجية وعضو في مهمة توزيع اللقاحات في مقاطعة «أونتاريو» الكندية أن تحقيق التوازن الصحيح «مسألة صعبة جداً». ولفتت كندا الأنظار بشكل خاص لأن حكومتها تفاوضت في صفقات لشراء 400 مليون جرعة من لقاح كوفيد-19 وهي أكبر كمية بالنسبة لعدد السكان في العالم وكافية لتحصين سكانها خمس مرات. وعلى مستوى العالم، اشترت الدول الأغنى التي بها 16% من سكان العالم أو خزنت 60% من إمدادات اللقاح، وفقاً لمعهد الصحة العالمية التابع لجامعة «دوك» في ديرهام بولاية نورث كارولاينا. 
وأعلن «جوستين ترودو»، رئيس الوزراء الكندي الذي تفتخر بلاده بتقاليدها في المساعدات الأجنبية السخية، أن حكومته ستتبرع بأي فائض من اللقاحات لمبادرة «كوفاكس» الدولية التي تسعى لتلبية احتياجات الدول منخفضة الدخول من اللقاح، والتي تقدم «أوتاوا» لها بالفعل دعماً مالياً. لكن «ترود» ولم يحدد موعداً لهذا التبرع. ودشنت منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية أخرى مبادرة «كوفاكس»، وهي أكبر عملية شراء وإمداد في التاريخ في إظهار للتضامن الدولي لتحقيق مساواة في حلبة اللقاحات. ويستهدف جناح جمع التمويل في المبادرة تقديم لقاحات إلى 20% من الأشخاص في أفقر 92 دولة في العالم بحلول نهاية العام الجاري. 
وأعلنت المبادرة في الأيام القليلة الماضية عن أول اتفاق شراء لها لما يصل إلى 40 مليون جرعة من لقاح فايزر-بايونتيك. وتستعد لتوزيع أول لقاحاتها الشهر المقبل وتأمل في أن تقدم ملياري جرعة هذا العام. وتلقى صندوق المبادرة في الأيام القليلة الماضية دعماً مهماً، حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة التي أوقفت دعمها لمنظمة الصحة العالمية في ظل إدارة ترامب ستصبح عضواً مشاركاً في المبادرة. لكن كوفاكس مازالت تواجه عجزاً بقيمة 2.8 مليار دولار. وصرحت «كيت أوبراين»، مديرة التحصينات في منظمة الصحة العالمية أن هناك أكثر من 50 عضواً في «كوفاكس» أبرموا اتفاقات ثنائية مع منتجي اللقاحات. وأضافت أوبراين «حين تبرم الدول اتفاقات ثنائية تؤمن بها جرعاتها لعملية التوزيع المبكرة ولا يجري توزيع هذه الجرعات المبكرة على امتداد العالم، فهذا يخلق في حد ذاته عدم مساواة. لدينا إذن تضامن ولدينا دول لديها صفقات ثنائية. لكن هناك إجراءات يمكن اتخاذها الآن تسير في طريق تحسين المساواة». 
ويرى عدد كبير من خبراء الصحة والمساعدات الإنسانية أن التقاعس عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات سيكون «قصر نظر» على المستوى العملي بصرف النظر عن العوار الأخلاقي. ويشيرون إلى أنه مهما يكن من أمر عدد الأشخاص الذين يجري تحصينهم في المناطق الغنية من العالم، فما دام الفيروس حيا، فقد يتحور في مكان ما من العالم ونصبح جميعاً عرضة للإصابة به وتظل هناك صعوبة في التجارة والسفر. وتعتقد «آن كاثرين باجاراد»، مديرة السياسة في منظمة «أوكسفام كندا» أنه يتعين على الحكومة أن توضح أن تحصين «كل المواطنين لن يجعل المشكلة تختفي». وترى أنه يجب على كندا المشاركة بلقاحات لمبادرة «كوفاكس» حتى قبل الانتهاء من تحصين كل مواطنيها حتى تصبح جزءاً من استراتيجية عالمية مطلوبة للقضاء على الجائحة. 
وتجادل باجاراد بأنه إذا كانت الحكومة تقول إنها تتعهد بتقدم إمدادات لكنها لن تقدمها إلا حين تريد ذلك فإنها «لا تلزم نفسها بالفعل لاستراتيجية عالمية يديرها خبراء الصحة». وأظهرت دراسة صدرت في الآونة الأخيرة عن شركة «راند كورب» أن المصالح الاقتصادية نفسها للدول يجب أن تمثل حافزاً آخر على السخاء. وتوصلت الدراسة إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق مرتفعة الدخول أخرى في العالم ستخسر 119 مليار دولار في العام من الإنتاج المحلي الإجمالي إذا لم تحصل الدول الأفقر على لقاحات. وهذا أكثر بكثير من 25 مليار دولار يتكلفها توفير هذه اللقاحات. 
وخاطب مدير منظمة الصحة العالمية في الأيام القليلة الماضية البواعث الأخلاقية وناشد الدول الغنية بأن تكون أكثر سخاء. ومضى يقول «ليس من الصواب تحصين الراشدين الشباب الأصحاء في الدول الغنية قبل عمال الصحة والأشخاص الأكبر سنا في الدول الأفقر». وعملية توزيع اللقاحات في كندا بدت بطيئة بشكل غير متوقع وبالتالي فإن التبرع بجرعات لدول أخرى لن يكون مقبولاً سياسياً في الوقت الحالي. لكنه لم يجر الإجابة أيضاً عن الأسئلة التي تحيط بالتبرعات في المستقبل. 
ويرى «ليام سويس» الباحث في المساعدات والتنمية في جامعة «موموريال» في سانت جون بمقاطعة نافندلاند الكندية أنه «فيما يتعلق بالمعضلة الأخلاقية الخاصة بالسؤال عن تخصيص اللقاح لعمال الصحة في الصفوف الأمامية أولاً قبل تخصيصها لسكاننا، لا أشعر أن أي من السياسيين أو قيادات الحكومة يكابدون صراعاً في هذا». ويرى الدكتور «سميث»، المتخصص في علم الأخلاقيات البيولوجية، أن الناس في كندا يتفقون عموماً، حول أن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة يجب تحصينهم أولا، لكنهم لا يطبقون الفكرة نفسها على المستوى العالمي. وأضاف أن «كل شخص على الأرض له حق متساو» للمطالبة باللقاح. ومضى يقول «اللقاحات ستصبح موارد نادرة ونريد، أن نتأكد من توزيعها بالعدل على كل سكان العالم. ومن الواضح أن هذا لا يحدث».
رئيسة مكتب «كريستيان ساينس مونيتور» في مدينة تورونتو الكندية. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»